Overblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
17 mars 2010 3 17 /03 /mars /2010 08:21

السيف والقـلم

 في ليلة باردة، أواخر شهر يناير2010، تم وأد تجربة صحافية جميلة، وذلك عندما تقدم خمسة أعوان قضائيين إلى مسؤولي أسبوعية (لوجورنال) لإبلاغهم نص الحكم الصادر عن المحكمة التجارية، والقاضي بتعيين سنديك يتولى تصفية الشركة الناشرة للأسبوعية، ثم قام الأعوان بإغلاق المقر.  

  وتقررت التصفية القضائية بناء على دعوى رفعها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. وأُذيع أن الشركة التي تصدر الأسبوعية مدينة بحوالي مليار ونصف مليار سنتيم، منها 800 مليون سنتيم لمصلحة الضرائب، و400 مليون للضمان الاجتماعي، و350 مليون لمركز السيد مونيكي الذي سبق أن رفع دعوى ضد (لوجورنال) لأنها انتقدت منهجيته في إعداد أحد تقاريره ..إلخ.

  سيفتقد القراء إذن مجلة متميزة ارتبطت بفارس جميل اسمه أبو بكر الجامعي، وبثلة من الشباب الذين اقتحموا يم هذه المغامرة المليء بالأمواج المتلاطمة والرياح العاتية. وسيفقد القراء قلماً جريئاً ومشاكسا، لاذع النقد، عميق التحليل، وواسع الاطلاع. وسيفتقر النقاش السياسي المفترض في كل نظام ديمقراطي إلى مساهمة جدية، تنبه بروح وطنية وصدق طوية، إلى مواطن الاعتلال والضعف ومكامن الاختلال والخطأ . 

  من الطبيعي في دولة ديمقراطية، دولة الحق والقانون، أن تتم التصفية القضائية لمؤسسة عجزت عن آداء ديونها، سواء أكانت إعلامية أو تقدم خدمة أخرى. ولا يمكن أن ينهض خطابها المعارض، كحاجز في وجه تطبيق القانون عليها، مثلها في ذلك مثل جميع مؤسسات القطاع العام أو القطاع الخاص. ولا يمكن للمعارضين أن يمتنعوا عن آداء الضرائب وكافة التزاماتهم القانونية والتعاقدية، أو أن يخرقوا القانون، ثم يزعمون في لحظة مساءلتهم أن تلك المساءلة إنما هي انتقام سياسي، وأن المساطر القضائية التي حركت ضدهم أملتها دوافع وأسباب مرتبطة بمواقفهم وأفكارهم، إذا كانت تلك المساطر شرعية وعادلة وتطال الجميع. وبعبارة أخرى لا يمكن لصحافي اختار النقد والمعارضة، أن يستفيد من نظام امتيازي، أو من حصانة ضد القانون. ولا يمكن لمقاولة أُسيء تدبيرها المالي، أن تُستثنى من التدابير القانونية المفروضة لمواجهة اختلالات التدبير المالي والتجاري للشركات والمؤسسات الخاصة .

  هذا منطق سليم البنيان، ووطيد الأساس، ولانرى بديلاً عن مشاطرته والاتفاق مع فحواه تمام الاتفاق.

  لكن، من الطبيعي أيضاً، في دولة ديمقراطية، دولة الحق والقانون، أن تُؤخذ مأخذ الجد تصريحات مسؤولي المؤسسة الإعلامية التي تقررت تصفيتها القضائية، إذا اتسمت بإبلاغ الجمهور العام بوقائع وممارسات خطيرة تستلزم في الأصل في حال ثبوتها، توقيع جزاءات جسيمة سياسية وإدارية وقضائية في حق مقترفيها.

  لقد أدلى أبو بكر الجامعي بمعطيات خطيرة، يتعين في الأصل أن تُحاط باهتمام خاص من أعلى مستويات الدولة، وأن يتم تكوين لجنة لتقصي الحقائق بصددها، سواء على صعيد المؤسسة البرلمانية بمالها من سلطة رقابية مفترضة، أو على صعيد مؤسسات التقرير الأخرى.

  إن عدم إيلاء كلام الجامعي الأهمية التي يستحق، يمثل إخلالاً بواجبات المسؤولين في هذه البلاد. ويتعين أن يُفتح ملف علاقة (لوجورنال) مع الدولة، باعتباره في العمق، يطرح مشكل الطريقة التي تُحكم بها هذه البلاد .

  وفي النظام الديمقراطي، يتعين أن تحظى كل لجنة تحقيق يتم تأسيسها في قضية كهذه، بقدر ثابت من المصداقية والاستقلالية والنزاهة وسلطة التتبع والبحث، وأن تتكون من أفراد متشبعين بروح الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام، وملتزمين في ذات الوقت بقيم دولة الحق والقانون، ومن أشخاص قادرين على حماية المبدأ القاضي بألا أحد فوق القانون، وأن كل من يملك سلطة عليه أن يتحمل وزر المساءلة عن وجه ممارسة تلك السلطة.

    إن لجنة تحقيق جدية ومسؤولة في حالتنا، لابد لها في نظرنا أن تقتفي أثر قضية (لوجورنال) على أكثر من مسار وطريق :

  - على لجنة التحقيق أن تبدأ بطرح السؤال التالي: هل هناك سوابق لدوريات مغربية من حجم ومكانة (لوجورنال)، لاقت نفس المصير والمآل، عجزت عن تسديد ديونها، فأُغلق مقرها وشُمعت أبوابها بحكم قضائي. إذا كانت لوجورنال هي أول سابقة، بالنسبة للدوريات المماثلة لها من حيث خصائص المنتوج ودائرة  انتشاره وإشعاعه، فهل هي إذن محض مصادفة؟ وهل شاءت الأقدار وحدها، أن يطبق القانون بهذا الشكل المثالي والصارم – وهو واجب التطبيق على كل حال- على أسبوعية درجت على فتح ملفات حساسة، تهم علاقة الملكية بعالم المال والأعمال، والممارسات الاقتصادية للمقربين من القصر، وضرورة إعادة التفكير في صلاحيات الملك، واستمرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ومظاهر التخبط في السياسة الاقتصادية للحاكمين، وشيوع اللامسؤولية وعدم الكفاءة والممارسات العتيقة، والإساءة إلى صورة المغرب من خلال اتخاذ قرارات متسرعة وغير سديدة وانفعالية..إلخ 

  - على لجنة التحقيق أن تبحث في قضية اقتراح السيد فؤاد عالي الهمة على مسؤولي الأسبوعية تزويدهم في بداية انطلاقها، ب50 مليون درهم، لضمان اقتناء مطبعة وإنجاز الطباعة والسحب في المغرب، ورفض مسؤولي الأسبوعية لهذه "الهدية".

   إن هذا يطرح السؤال عن مصدر هذا المبلغ الهام، وعن مدى وجود "صناديق سوداء" لدعم نوع من الصحافة، والمعايير المعتمدة في الاختيار، ومدى تأثير ذلك على مبدأ تكافؤ الفرص بين مختلف الدوريات، وعلى مبدأ حماية حقوق المكلفين بالضرائب وصون المال العام من الإهدار.

   إن رفض الأسبوعية هذا الوجه من التمويل يثير ربما حرص إدارتها على عدم المساهمة في المس بالمال العام من جهة، ويطرح تساؤلاً بصدد ما إذا كانت قد أعقبته، تدابير انتقامية ضد الأسبوعية، وإذا كان يفسر أو لا بعض مظاهر الشدة التي ستُعامل بها الأسبوعية لاحقاً، من جهة أخرى.

   - على لجنة التحقيق أن تدقق في أمر التعليمات التي يفترض أنها صدرت – بعد استئناف الأسبوعية لصدورها في أعقاب المنع الذي طالها عام 2000- والتي بمقتضاها طُلب من المؤسسات التي واصلت تعاملها مع الأسبوعية وتنفيذ عقود الإشهار، أن توقف التعامل. فمن الذي أمر بإعطاء هذه التعليمات  التي كبدت (لوجورنال) خسائر فادحة؟ وكيف منح البعض لنفسه حق تحديد المصير المالي لمؤسسة إعلامية يفترض أن تتعامل مع سوق الإشهاروفق قوانين السوق؟.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كان خيار قبول بيع الأسبوعية الذي ارتضته إدارتها، قد أخضعته أم لم تخضعه الإدارة المذكورة لشرطين أساسين هما: الاحتفاظ بالعاملين وعدم قطع أرزاقهم، وتأدية كافة الديون بما في ذلك مستحقات الضمان الاجتماعي وإدارة الضرائب .

  - على لجنة التحقيق أن تبحث في علاقة مؤسسة أمنية كبرى، وهي مديرية مراقبة التراب الوطني – تحت إدارة الجنرال العنيكري- بمحاولة شراء الأسبوعية، بعد أن قدم الأمير مولاي هشام عرضاً بمساعدتها ثم بشرائها، واشترط مسؤولو الأسبوعية الكشف في كل الحالات عن هوية المشتري للجمهور العام. فبأي حق تتدخل مؤسسة أمنية عبر وسطاء في حياة الصحف، وهل يندرج ذلك في اختصاصها، وهل هناك من يحاسبها؟ وهل هناك حالات تدخل مماثلة، أم أن الأمر لا يعدو كونه مبادرة شخصية من الجنرال العنيكري؟.

 - على لجنة التحقيق أن تبحث في كافة الملابسات المرتبطة بإشراف السلطة على تنظيم مظاهرة في الشارع العام أمام مقر الأسبوعية "احتجاجاً" على خطأ لم ترتكبه، وما هي الإجراءات التي اتخذت في حق رجال السلطة الذين رتبوا لأول مرة عملاً من هذا النوع، كان يمكن أن يفضي إلى انفلات أمني، وكان يستهدف الأسبوعية لإضعاف مبيعاتها ومداخيلها وتخويف كل المتعاملين معها.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كان مسؤولو الأسبوعية قد بادروا إلى عقد اتصالات بشكل تلقائي مع مسؤولي الضمان الاجتماعي وإدارة الضرائب لجدولة آداء الديون، وأنهم شرعوا في دفع بعض الأقساط في لحظات تحسنت فيها المداخيل، لكن أعقبتها خطط لإجهاض أية محاولة لتسوية الديون، حتى تتوفر كل شروط إعدام الجريدة قضائياً.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث في أسباب اختفاء أحد رجال الأعمال الذي التزم مؤخراً بشراء الأسبوعية وتأدية كافة ديونها، ومدى علاقة ذلك بالتخوف من إقدام الصحفي أبوبكر الجامعي على استئناف نشر مقالاته في منبر آخر.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث في صحة الفرضية القائلة بأن مغادرة الصحفي المذكور أرض الوطن، أفضت إلى ازدياد مداخيل الإشهار ب10٪، وأن إعلانه العودة، دفع السيد منير الماجدي مدير الكتابة الخاصة للملك إلى عقد اجتماع يوم 22 أبريل 2009 مع معلنين كبار في مجال العقار، من الذين واصلوا تعاملهم مع الأسبوعية، ومطالبته إياهم بوقف هذا التعامل. وعلى لجنة التحقيق أن توفر لهؤلاء ظروف الأمان والطمأنينة التي تسمح لهم بالإدلاء بشهادتهم بدون حرج.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كانت الأسبوعية لم توزع أرباحاً على المساهمين منذ 12 عاماً، وفيما إذا كان أجر أبو بكرالجامعي كمدير للأسبوعية هو أقل من أجر مدراء دوريات أخرى، وفيما إذا كان لا يتوفر على شقة، وأن القطعة الأرضية الوحيدة التي يملك بنواحي بوسكورة، اشتراها بقرض بنكي بقيمة 50 مليون سنتيم يؤدي أقساطه شهرياً.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كانت الجرائد الأخرى المماثلة قد أدت كافة التزاماتها المالية والضريبية، وقيمة تلك الالتزامات، والأساس الذي بُنيت عليه، وكيف تصرفت معها الأجهزة الإدارية والقضائية.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كانت هناك سرعة في تنفيذ الحكم القضائي ضد لوجورنال، ومدى علاقة ذلك بعودة الجامعي وموقف الأسبوعية من قضية أميناتو حيدر.

  - على لجنة التحقيق أن تبحث فيما إذا كانت الأحكام الثقيلة بالغرامات والتعويضات التي صدرت ضد الجريدة عادلة ومنصفة، حسب رأي خبراء ورجال قانون محايدين، وفيما إذا كانت قد راعت أم لا مقدرات الأسبوعية التي انطلقت أصلاً برأسمال لا يتعدى مليون درهم، وفيما إذا كانت تلك الأحكام قد فاقمت الوضع المالي للأسبوعية بشكل جلي.

  وإذا ما توصلت لجنة التحقيق إلى أن تصفية (لوجورنال) هي أول سابقة، وأن أجهزة أمنية ورجال نافذون تدخلوا لمحاولة تمويل الأسبوعية ثارة، ولمحاولة شرائها أو عرقلة شرائها ثارة أخرى، وأنهم تدخلوا لمنع الإشهار عنها، وحرموا المالية العامة من مداخيل شبه مؤكدة، وأنهم تدخلوا للتظاهر ضدها وتأليب الناس عليها، وتدخلوا لتعويقها مالياً وإجهاض أية محاولة لنهوضها، وأن الأسبوعية تعرضت لأحكام ثقيلة وغير منصفة ولمعاملة إدارية وقضائية خاصة مقارنة بنظيراتها، وأن لكل ذلك علاقة بخطها التحريري ومقالات أبو بكر الجامعي، فسيكون معنى ذلك أن قضية (لوجورنال) ليست مجرد قضية خلل في تدبير مقاولة، بل هي أساساً قضية خلل في تدبير شأن دولة .  

 

يومية (الجريدة الأولى )

18 فبراير 2010 العدد 538

الصفحة 11

                                                                                                            

 

Partager cet article
Repost0

commentaires

Présentation

  • : ghafriyat غفريات
  • : Agis et ne laisse personne décider à ta place, tu es maître de ta vie et de tes choix
  • Contact

Recherche